علي پسنديده، إنه الخطاط والفنان من مدينة باخرز الإيرانية الذي يمزج بين الحرف والفن، يحمل بين يديه تجربة تمتد على مدى ستة وعشرين عامًا، تخللتها العديد من الإنجازات التي جعلت من أعماله محط إعجاب وتقدير، فقد شارك في العديد من المعارض الجماعية، وأقام ثمانية عشر معرضًا فرديًا، لتكون أعماله شاهدًا حيًا على إبداعه ورؤيته الفنية.
عُرِضت أعماله في العديد من الدول، مثل سويسرا، وتركيا، وسلطنة عُمان، والإمارات العربية المتحدة، ومن ضمن هذه الأعمال معروضات قد تم بيعها في مزادات عالمية مرموقة.
من أبرز محطاته الفنية، فوزه بجائزة المركز الأول في مهرجان الخط الإيراني "مدينة الجنة"، الذي يُعد من أبرز المهرجانات في هذا المجال. ولا تقتصر إسهاماته على الأعمال الفنية فحسب، بل كان له دور رياديّ في الخط، حيث تولى رئاسة فرع "سرخس" لجمعية الخطاطين الإيرانيين، بالإضافة إلى توليه منصب أمين عام لمهرجانات إقليمية، مما يعكس التزامه العميق بتطوير هذا الفن.
وبصفته متحدثًا ومدربًا، أُتيحت له الفرصة للمشاركة في منصات دولية مرموقة، من بينها "مركز اللغة الفارسية" في أنقرة، وكذلك مؤتمر "علي السمرقندي"، حيث قام بنقل خبراته للأجيال الجديدة. إلى جانب ذلك، تم اختياره ضمن ستة فنانين من قبل "مؤسسة خولة" للمشاركة في مبادرة الاحتفاء بالإبداع في الشرق الأوسط، كما تم تسليط الضوء على أعماله في مهرجان الخط في بيروت، الذي أقيم في" آرتهاوس".
وفي خطوة إضافية، اختارته "شركة الاتحاد للطيران" ضمن مجموعة من عشرين فنانًا للمشاركة في مبادرة تطلعات الإمارات، مما يضيف إلى سجلّه الفني إنجازًا آخرا يعكس إبداعه وتميزه في عالم الخط العربي.
في هذه المقابلة، أُتيحت لنا الفرصة للحديث مع الفنان عن تجربته الفنية الزاخرة، وعن معرضه الأخير في مركز كتبنا الثقافي، وما يلهمه كفنان، كما حدثنا عن تطلعاته المستقبلية، وكيفية تأثير البيئة الفنية في الإمارات على رؤيته وإبداعه.
حدثنا عن بداياتك مع فن الخط؟ وما الذي ألهمك لبدء هذه الرحلة؟
بدأت ممارسة الخط في سن الثانية عشرة، في البداية، كان الهدف ببساطة هو تحسين خطي، ولكن مع مرور الوقت، ومن خلال التدريب الذاتي، أصبحت مفتونًا بجمال الخط، وهذا الشغف المتزايد دفعني لأخذ فن الخط على محمل الجد بشكل أكبر.
كيف أثّر انتقالك من مسقط رأسك إلى مدينة مشهد في إيران على نموك كخطاط؟ وبمن تأثرت من الخطاطين في سنواتك الأولى من التدريب؟
لم تكن هناك دروس احترافية أو مراكز متخصصة في الخط في مسقط رأسي في مدينة باخرز، لذلك انتقلت إلى مدينة مشهد للدراسة تحت إشراف أساتذة ذوي خبرة في جمعية الخطاطين الإيرانيين، بدأت تدريبي الرسمي مع الأستاذ علي جعفري، وتعلمت منه الكثير على مر السنين، كما أدين بالكثير للأستاذ علي رضا كدخودائي، الذي وجهني في الجوانب المهنية مثل تنظيم المعارض والمشاركة فيها في بدايات مسيرتي.
"الحب هو بداية الإنسانية" عنوان معرضك الحالي في مركز كتبنا الثقافي، ما الذي ألهم هذا الموضوع؟ وما الرسالة التي تودّ إيصالها من خلال الأعمال المعروضة؟
الحب بالنسبة لي كان ولا زال أكثر من مجرد كلمة، إنه دافع ومصدر إلهام في رحلتي الفنية على مر السنين، فرغم العديد من التحديات التي واجهتني، إلا أن حبّي لفني هو ما دفعني للاستمرار. كلمة "الحب" تلامس كل شخص بطريقته الخاصة، وتحتفظ بسحر معناها على مر الزمن، إن هذه العالمية في الكلمة هي المحور الأساسي لهذا المعرض.
أي الأعمال الفنية في هذا المعرض شكل تحديا لك من حيث التنفيذ وكيف تعاملت مع هذا التحدي؟
إنها أكبر لوحة في المعرض، وتحمل عنوان "الخريف، سيد الفصول" بقياس (135×210 سم)، استغرق إنجاز اللوحة حوالي ستة أشهر، وبسبب الحجم الكبير للعمل، كان لزامًا عليّ تنفيذه على الأرض، مع الحرص على لفّه بعد كل جلسة، حفاظًا على نظافته. تتسم هذه اللوحة بتنوّع غني في الألوان، لذا كنت شديد الحرص على تجنّب أي خطأ أو انسكاب للألوان، إذ أن زلة واحدة كانت كفيلة بإفساد جهد شهورٍ طويلة.
قد انتقلت مؤخرًا للعيش في دولة الإمارات العربية المتحدة حيث عرضت أعمالك، كيف أثّرت هذه البيئة الجديدة على رؤيتك الفنية؟
بعد حصولي على التأشيرة الذهبية، انتقلت إلى الإمارات العربية المتحدة وذلك لاكتشاف تحديات وفرص جديدة، إن الإمارات، وخاصة دبي، تحتضن العديد من المهرجانات والفعاليات الفنية، وتستقطب فنانين ومعارض من جميع أنحاء العالم، إن التواجد في هذا المشهد الفني العالمي يتيح لي عرض أعمالي لجمهور دولي، وتلقّي تفاعل قيّم من المجتمع الفني، والتواصل مع التيارات الفنية المعاصرة التي تؤثر في مسيرتي المستمرة.
كيف تقيّم مشهد الخط في الإمارات؟
تستضيف الإمارات معارض ومهرجانات متخصصة في الخط، حيث يمكن للفنانين من مختلف الدول تقديم أعمالهم، وهذا أمر مشجع للغاية بالنسبة للخطاطين المحترفين، فمن خلال تجربتي والمعارض التي شاركت فيها مؤخرًا، لاحظت أن جمهور الإمارات يتفاعل بشكل أكبر مع التكوين البصري المتناغم والانطباع الجمالي الذي يقدّمه فن الخط أكثر من تركيزه على المحتوى النصي فقط، هناك تقدير قوي للأشكال الحديثة وللابتكار في الجمال.
لقد عرضت أعمالك في دول عدة، مثل إيران، وتركيا، وسويسرا، والباكستان، والإمارات، كيف يتفاعل الجمهور من ثقافات مختلفة مع الخط الفارسي؟
الشكل والجمال البصري هما في صلب عملي، ولهذا السبب تم استقبال أعمالي بشكل جيد عالميًا، في معظم أعمالي في الخط لا أركز على وضوح القراءة بقدر ما أركّز على الجماليات، وذلك حتى يتمكن الأشخاص من أي ثقافة أو لغة من التفاعل مع جمال التكوين دون الحاجة إلى فهم النص.
أخبرنا عن مشاريعك الفنية القادمة؟
أنا دائم الإنتاج لقطع جديدة، وأستغل كل فرصة لعرضها، وحين تكتمل لديّ مجموعة تحمل وحدة فنية متكاملة، سأشرع في تنظيم معرض فردي يعكس هذه الرحلة، كما أنني أُولي اهتمامًا بتخطيط ورش عمل وفعاليات خط تثقيفية، لتكون امتدادًا لمساري الفني في المستقبل.
ما نصيحتك التي تقدمها للفنانين الشباب الذين يرغبون في دخول عالم الخط بجدية؟ وهل تعتقد أن هذا الفن يجب أن يُدرّس في المدارس مثله مثل الفنون الكلاسيكية الأخرى؟
الخط يتطلب الصبر والمثابرة، لكن نتائجه مجزية وتمنح شعورًا عميقًا بالرضا والقيمة الذاتية، لذا أنصح الفنانين الشباب بأخذ وقتهم، والالتزام بالعمل الدؤوب، فالخط لا يُعلّم مهارة فحسب، بل يفتحُ أمام متلقيه عالماً من الشعر والأدب والتأمل الراقي، وقد يُخلّف بصمة عميقة في رحلة الإنسان نحو النضج والتطوّر الذاتي.
وبكل تأكيد، أرى أن الخط يجب أن يكون جزءًا من المناهج الدراسية، فارتباطه الوثيق بالشعر والأدب يجعله جسرًا ممتازًا لنقل الثقافة، ويساعد الأجيال الجديدة على الحفاظ على التراث والهوية، علاوة على ذلك، يشير علماء النفس إلى أن الكتابة اليدوية يمكن أن تؤثر إيجابيًا على الصحة النفسية والتوازن العاطفي.
وفي الختام، أرى أن الخط يتجاوز كونه مجرد كتابة يدوية، فعندما يمتزج مع الفن الحديث، يتحول إلى تجسيد للروح والإلهام، ليخلق فضاءات تأسر الأعين وتلامس القلوب، وتترك أثرا عميقا في ذاكرة كل من يقدر الجمال.
بقلم نورا القضاة