المسرات والأيام
المسرات والأيام
إنّ التحرّك الكبير لمحبّة طافحة قادرة على غسل قلبها كما يغسل المدّ الشاطئ، وعلى تسوية جميع أشكال التفاوت البشريّ الذي يسدّ قلب المجتمع المخمليّ، قد حال دونه ألف سدّ وسد من سدود الأنانيّة والغُنج والطموح. ولم تعد الطيبة تروق لها إلّا كأناقة. صحيح أنّها كانت ما تزال مستعدّة لأن تتصدّق بشيء من مالها وعنائها ووقتها، ولكنّ جزءاً كاملاً من ذاتها بقي محجوزاً، ولم تعد تمتلكه. كانت تقرأ وتحلم صباحاً وهي في سريرها، ولكن بذهنٍ زائفٍ صارَ يتوقّف عند الأشياء من الخارج وينظر في ذاته لا ليعمّقها وإنما ليُعجب بها بتلذّذ ودلال كما لو أنّها كانت أمام مرآة. وإنْ أُخبرت بزيارة لها لم تكن تجد لديها إرادة لصرفها كي تستمرّ في أحلامها وقراءتها. وبلغ بها الأمر إلى حدّ فقدان استمتاعها بالطبيعة إلّا بحواسّ منحرفة؛ وتلاشى لديها سحر الفصول إلّا ليعطّر أفانين أناقتها ويعطيها ألوانها. وتحوّل سِحر الشتاء إلى متعة الشعور بالبرد، وأغلقت بهجةُ الصيد قلبَها على أحزان الخريف. وأحياناً، بينما تمشي وحدها في الغابة، كانت تبغي استعادة المصدر الطبيعيّ للمسرّات الحقيقية. ولكنّها في الأجمات الحالكة، كانت تتّشح بفساتين متلألئة. ومتعة الأناقة كانت تقطع فرحها بأنّها وحدها وبأنّها تحلم
مارسيل بروست روائي فرنسي عاش في أواخر القرن 19 وأوائل القرن 20 في باريس، من أبرز أعماله سلسلة روايات البحث عن الزمن المفقود والتي تتألف من سبعة أجزاء نشرت بين عامي 1913 و1927، وهي اليوم تعتبر من أشهر الأعمال الأدبية الفرنسية. تستعرض كتاباته تأثير الماضي على الحاضر. كان بروست ناقداً ومترجماً واجتماعياً أيضاً
Location: Lower level D-3