عتبة الألم
عتبة الألم
كانت ليلةً قمراء. وكانت الأضواء تختلط ببعضها من السماء والأرض فتصنع مشهداً انطباعياً طاغياً في رقته. وفي الجو من حولنا تضوع أزهار الياسمين والليمون مخلوطةً بعبير أزهار النارنج الفواحة من باحات المنازل الدمشقية الوسيعة، فتضفي على الكون سعادةً تبعث على الرعشة في القلوب التي أضناها السفر بحثاً عن سعادة ضائعة. كانت الحركة في الطرقات قد انعدمت أو تكاد. وسادَ سكون مهيب على الخليقة. ومن مكان ما انساب صوت جارح في عذوبته 7 بين نسائم الربيع الطريّة الهائمة من حولنا في جميع المطارح ليه تلاوعيني وإنتي نور عيني.. أم كلثوم.. لا بد وأن الليل قد انتصف. لم أنظر إلى الساعة حول معصمي. لم أكلّف نفسي عناء النظر، فهو سوف يقطع علي متعة التملّي من هذا الرواء الذي له شكل أنثى شابّةٍ غلبها الحزنُ مثلما غلبها الفرح. أي عذاب يسكن هذه البنت؟ أي عذاب تعيشه؟ ربما كان عذاب الجوى. بدت لي بنتاً رقيقةً لو هبت عليها نسمة من ربيع لكسرتها إلى نصفين. جعلتُ أتأملها مليّاً وأنا أسأل نفسي أتراها في خجل أو في ندم من بعد القبض عليها متلبسة بجريمة الحب الذي لم تعترف به صراحةً؟ كان علي أن أساعدها في الخروج من لجة الأسى الذي غرقت به، ولم أعرف ماذا أقول وفكرت: ليس مهماً ما تقول، قل أي كلام: اسمعي الشاكي وارحمي الباكي قضى طول عمره قلبه يهواكي
حسن سامي يوسف (أبو علي؛ 1364- 1446 هـ / 1945- 2024 م)، أديب فلسطيني سوري، كاتب وروائي، وناقد سينمائي، ولد في قرية لوبيا في فلسطين، وعاش وتوفي في دمشق
Location: Lower level M-3